مين أولا ومين بعدين؟
في البداية كانت تدوينة محمد أبو الغيط تحت إسم، الفقراء أولا يا ولاد الكلب
ستتعجب حين أخبرك أنت تلك التدوينة إستفزتني بشكل كبير حتى أنني من فرط إنزعاجي كتبت واحدة من أسخف تدويناتي على الإطلاق، ولا يمنعني من مسحها الآن سوى أنني أفضل بقائها كشاهد على حالة ما ... وسر سخافة تدوينتي هو أننا كنت منزعج من تدوينة أبو الغيط لكن رغم ذلك لم أكن مدركا بالضبط ما الذي إستفزني فيها ... ثم جائت مقالة علاء عبد الفتاح تحت إسم الحلم أولا ... ورغم أن هناك روح ما مشتركة بينها وبين أبو الغيط إلا أنها بالعكس أعجبتني، وهو ما زاد في حيرتي ... ثم تلاهم عمرو عزت وكتب ضد الفقراء أولا ... ومقالة عمرو عبرت كثيرا عما كان يدور بداخلي من أفكار إلا أنها كانت مجرد أفكار عشوائية ترفض الإستقرار في صورة كلام مفهوم.
الآن دعني أحاول أن أرتب أفكاري وأفهم سر كل تلك المنازعات الفكرية التي تدور في رأسي، ففي الواقع بقدر كرهي للشعارات الجوفاء التي خرجت علينا بعد الثورة، وهي جلها شعارات في صورة ملصقات على العربات أو إعلانات في التلفزيون، وتحمل ألفاظ رنانة مثل أنا مصري وأفتخر ... ومصر أولا ... ومصر بتتغير وأنا كمان باتغيير ... وإستفزازها يعود لكونها مجرد شعارات جوفاء لدرجة أن أمثال مبارك نفسه كانوا يرفعوا مثلها أو يرفعونها هي هي.
المهم أنني بقدر كرهي لها، فأنا أيضا أكره الشعارات الشعبوية، وهي عكس الأولى، فالأولي هي شعارات نخبوية إن شئت التعبير أما الشعارات الشعبوية فهي موجهة للطبقات الأدني ماديا بغرض نفاقهم ... ومقالة الفقراء أولا جزء من تلك النغمة المنتشرة على تويتر في الأونة الأخيرة ... فتارة تجد من ينظّر أن ميدان التحرير وميادين مصر الأخرى وما بها من ملايين ليس لهم أي دور يذكر في الثورة وأن الفضل في الثورة أصلا يعود لمتعاطي الترامادول من المهمشين الذين أحرقوا أقسام الشرطة ... وتخرج بعدها نقاشات هل الثورة كانت فعلا سلمية أم أنها عكس ذلك ... لكن دعنا لا نسترسل في تلك النقاشات ... فالصورة التي وصلت لي من معظم تلك المناقشات هي - ودعني أستخدم مصطلحاتهم - أن الثورة قامت على أكتاف البروليتاريا وأن غيرهم من أبناء الطبقة الوسطى مثلا - أو من كان يسميهم النظام شباب الفيسبوك - هم مجرد لا شيء. قد أكون متطرف في إستنتاجاتي لكن تلك هي الصورة التي وصلت لي على الأقل ... ثم كانت مقالة أبو الغيط بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير ... فهو ذهب أيضا إلى أن كل من يناقش كتابة الدستور وطبيعة الدولة وهل من الأفضل أن تكون دينية أو مدنية هم مجرد ولاد كلب على حد تعبيره وأن الثورة هي ثورة رغيف لا ثورة حريات و أيديولجيات وكلام مايأكلش عيش.
ففي الحقيقة أنا واحد من المؤمنين بأن من أهم أسباب الفقر هو فساد النظام السابق وقمع الحريات و ما إلى هنالك من أشياء يعرفها القاصي قبل الداني، وبالتالي حين خرجنا رافعين شعار الشعب يريد إسقاط النظام كان هدفنا بناء نظيم جديد على أنقاضة نتخلص فيه من سلبيات النظام السابق، ولو كانت الثورة مجرد ثورة رغيف لكنا رفعنا شعارات تطالب بحد أدنى للأجور أو ضمانات إجتماعية أفضل مع الإبقاء على نظام مبارك مثلا ... وبالتالي فأنا أرى مناقشة شكل الدولة والدستور وكل ما يوصم بمناقشات النخبة الآن هو ليس بمعزل عن حقوق الفقراء أبدا، بل هو السبيل لها ... أعرف أن الكثيرين يصفون نظام مبارك بأنه نظام رأس مالي وبالتالي يلبسوا إقتصاد السوق كل خطايا مبارك، متغافلين حقيقة أن نظام مبارك هو نظام فاسد ... وفاسد فقط ... ولا يصح وصفه بكونه يميني أو يساري أو أي شيء آخر ... وبالتالي كوني من القلة القليلة الغير يسارية هنا لا يعني أنني ضد حقوق الفقراء ... فأنا قد أرى أهمية بعض الضمانات الإجتماعية في بعض الأحيان، لكن حين لا أكون مقتنع ببعضها فهو ليس لأنني أهدف إلى هضم حقوق الأقل دخلا بل هو لأنني أرى أن عكسها ربما يكون أكثر فائدة لهم حسب فهمي الإقتصادي المتواضع.
وقد ذهب عمرو عزت إل أبعد مني حين رأى أن شعار «الفقراء أولا» هو شعار مغرق في «النخبوية»، بالمعنى السلبي، ترفعه «نخبة» تشعر بالحرج من «نخبويتها» وتريد التطهر منها وهي تحاول احتضان جمهورها المظلوم وتضع فوقه مجرد ملصقا لا يعبر عنه بقدر ما يعبر عن نظرتها «النخبوية» له باعتباره مجرد حشود من الفقراء.
أما بخصوص مقالة علاء، فسر إعجابي بها أنها تخلت عن النغمة الشعبوية رغم إنتقادها لمناقشات الدستور أولا وما على شاكلتها، إلا أنها وضعت تلك المناقشات في مقابل الحلم الذي كان موجود في ميدان التحرير ... مقالة علاء أيضا هي أيضا محيرة كونك لا تستطيع أن تجزم إن كانت مقالة سياسية أم مقالة أدبية والإثنين معا وهو ما أعطاها أبعادا أعمق بكثير من مجرد ياولاد الكلب
أخيرا وليس أخرا، إن كنت إعتبرت لفظة يا ولاد الكلب مستفزة، فها هي دوينة أخرى لمدون أخر تحت إسم
الشهداء اولا يا ولاد الوسخه
تحديث، أربعة يوليو
في نفس السياق، كتب إبراهيم عيسى: الثورة قامت من أجل الحرية، والحرية قبل أكل العيش، وقبل العيش نفسه، الكرامة، والكبرياء، وعزة النفس هي هدف حياتنا، ولا معنى لحد أدنى للأجور، أو أسعار منخفضة، بينما رؤوسنا منخفضة وأعناقنا منحنية
في البداية كانت تدوينة محمد أبو الغيط تحت إسم، الفقراء أولا يا ولاد الكلب
ستتعجب حين أخبرك أنت تلك التدوينة إستفزتني بشكل كبير حتى أنني من فرط إنزعاجي كتبت واحدة من أسخف تدويناتي على الإطلاق، ولا يمنعني من مسحها الآن سوى أنني أفضل بقائها كشاهد على حالة ما ... وسر سخافة تدوينتي هو أننا كنت منزعج من تدوينة أبو الغيط لكن رغم ذلك لم أكن مدركا بالضبط ما الذي إستفزني فيها ... ثم جائت مقالة علاء عبد الفتاح تحت إسم الحلم أولا ... ورغم أن هناك روح ما مشتركة بينها وبين أبو الغيط إلا أنها بالعكس أعجبتني، وهو ما زاد في حيرتي ... ثم تلاهم عمرو عزت وكتب ضد الفقراء أولا ... ومقالة عمرو عبرت كثيرا عما كان يدور بداخلي من أفكار إلا أنها كانت مجرد أفكار عشوائية ترفض الإستقرار في صورة كلام مفهوم.
الآن دعني أحاول أن أرتب أفكاري وأفهم سر كل تلك المنازعات الفكرية التي تدور في رأسي، ففي الواقع بقدر كرهي للشعارات الجوفاء التي خرجت علينا بعد الثورة، وهي جلها شعارات في صورة ملصقات على العربات أو إعلانات في التلفزيون، وتحمل ألفاظ رنانة مثل أنا مصري وأفتخر ... ومصر أولا ... ومصر بتتغير وأنا كمان باتغيير ... وإستفزازها يعود لكونها مجرد شعارات جوفاء لدرجة أن أمثال مبارك نفسه كانوا يرفعوا مثلها أو يرفعونها هي هي.
المهم أنني بقدر كرهي لها، فأنا أيضا أكره الشعارات الشعبوية، وهي عكس الأولى، فالأولي هي شعارات نخبوية إن شئت التعبير أما الشعارات الشعبوية فهي موجهة للطبقات الأدني ماديا بغرض نفاقهم ... ومقالة الفقراء أولا جزء من تلك النغمة المنتشرة على تويتر في الأونة الأخيرة ... فتارة تجد من ينظّر أن ميدان التحرير وميادين مصر الأخرى وما بها من ملايين ليس لهم أي دور يذكر في الثورة وأن الفضل في الثورة أصلا يعود لمتعاطي الترامادول من المهمشين الذين أحرقوا أقسام الشرطة ... وتخرج بعدها نقاشات هل الثورة كانت فعلا سلمية أم أنها عكس ذلك ... لكن دعنا لا نسترسل في تلك النقاشات ... فالصورة التي وصلت لي من معظم تلك المناقشات هي - ودعني أستخدم مصطلحاتهم - أن الثورة قامت على أكتاف البروليتاريا وأن غيرهم من أبناء الطبقة الوسطى مثلا - أو من كان يسميهم النظام شباب الفيسبوك - هم مجرد لا شيء. قد أكون متطرف في إستنتاجاتي لكن تلك هي الصورة التي وصلت لي على الأقل ... ثم كانت مقالة أبو الغيط بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير ... فهو ذهب أيضا إلى أن كل من يناقش كتابة الدستور وطبيعة الدولة وهل من الأفضل أن تكون دينية أو مدنية هم مجرد ولاد كلب على حد تعبيره وأن الثورة هي ثورة رغيف لا ثورة حريات و أيديولجيات وكلام مايأكلش عيش.
ففي الحقيقة أنا واحد من المؤمنين بأن من أهم أسباب الفقر هو فساد النظام السابق وقمع الحريات و ما إلى هنالك من أشياء يعرفها القاصي قبل الداني، وبالتالي حين خرجنا رافعين شعار الشعب يريد إسقاط النظام كان هدفنا بناء نظيم جديد على أنقاضة نتخلص فيه من سلبيات النظام السابق، ولو كانت الثورة مجرد ثورة رغيف لكنا رفعنا شعارات تطالب بحد أدنى للأجور أو ضمانات إجتماعية أفضل مع الإبقاء على نظام مبارك مثلا ... وبالتالي فأنا أرى مناقشة شكل الدولة والدستور وكل ما يوصم بمناقشات النخبة الآن هو ليس بمعزل عن حقوق الفقراء أبدا، بل هو السبيل لها ... أعرف أن الكثيرين يصفون نظام مبارك بأنه نظام رأس مالي وبالتالي يلبسوا إقتصاد السوق كل خطايا مبارك، متغافلين حقيقة أن نظام مبارك هو نظام فاسد ... وفاسد فقط ... ولا يصح وصفه بكونه يميني أو يساري أو أي شيء آخر ... وبالتالي كوني من القلة القليلة الغير يسارية هنا لا يعني أنني ضد حقوق الفقراء ... فأنا قد أرى أهمية بعض الضمانات الإجتماعية في بعض الأحيان، لكن حين لا أكون مقتنع ببعضها فهو ليس لأنني أهدف إلى هضم حقوق الأقل دخلا بل هو لأنني أرى أن عكسها ربما يكون أكثر فائدة لهم حسب فهمي الإقتصادي المتواضع.
وقد ذهب عمرو عزت إل أبعد مني حين رأى أن شعار «الفقراء أولا» هو شعار مغرق في «النخبوية»، بالمعنى السلبي، ترفعه «نخبة» تشعر بالحرج من «نخبويتها» وتريد التطهر منها وهي تحاول احتضان جمهورها المظلوم وتضع فوقه مجرد ملصقا لا يعبر عنه بقدر ما يعبر عن نظرتها «النخبوية» له باعتباره مجرد حشود من الفقراء.
أما بخصوص مقالة علاء، فسر إعجابي بها أنها تخلت عن النغمة الشعبوية رغم إنتقادها لمناقشات الدستور أولا وما على شاكلتها، إلا أنها وضعت تلك المناقشات في مقابل الحلم الذي كان موجود في ميدان التحرير ... مقالة علاء أيضا هي أيضا محيرة كونك لا تستطيع أن تجزم إن كانت مقالة سياسية أم مقالة أدبية والإثنين معا وهو ما أعطاها أبعادا أعمق بكثير من مجرد ياولاد الكلب
أخيرا وليس أخرا، إن كنت إعتبرت لفظة يا ولاد الكلب مستفزة، فها هي دوينة أخرى لمدون أخر تحت إسم
الشهداء اولا يا ولاد الوسخه
تحديث، أربعة يوليو
في نفس السياق، كتب إبراهيم عيسى: الثورة قامت من أجل الحرية، والحرية قبل أكل العيش، وقبل العيش نفسه، الكرامة، والكبرياء، وعزة النفس هي هدف حياتنا، ولا معنى لحد أدنى للأجور، أو أسعار منخفضة، بينما رؤوسنا منخفضة وأعناقنا منحنية