مع بداية أحداث غزة الأخيرة وجدتني أتبنى الموقف القائل بأن مصر تحملت الكثير بسبب القضية الفلسطينية و أننا عندنا ما يكفي من المشاكل و الكوارث الداخلية و بالتالى فلنهتم بشؤوننا و لغزة رب يحميها.
و مع مرور الوقت وجدتني أتطرف أكثر في وجهة نظري المفرطة في المحلية أو الأنانية إن أردتم. لكنني كلما تعمقت في وجهة النظر تلك التي ترفع شعار أنا و من بعدي الطوفان وجدت أن الطوفان في واقع الأمر يعنيني و بشدة. دعونا أولا ننحي صوت الدين و الأخلاق و الإنسانية و النخوة جانبا فهي لغة لا يفهمها الحكام و السياسيين عادة و بالتالى مخاطبتهم بها غير مجدية. و الأن دعوني أتسائل هل لو أبادت إسرائيل أهل غزة عن بكرة أبيهم و أزاحت حماس من الساحة, من هو المستفيد و من الخاسر بحساباتنا المحلية اللا دينية؟ لو تم ذلك ستكون إسرائيل قد تخلصت من شوكة كانت تؤرق مضجعها ولو قليلا, و في المقابل نكون نحن قد فقدنا أحد أسلحتنا التفاوضية و وسيلة ضغط كان يمكننا الإستفادة بها لو أحسنا إستخدامها.
لكن هنا تظهر المشكلة الأهم فحماس تيار إسلامي يتفق عقائديا مع الإخوان المسلمين و بالتالي لا يتفق مع النظام السياسي المصري و أيديولوجياته المغايرة لهم تماما. لكن دعونا نعود بالزمن إلى الوراء, فأمريكا بالتأكيد ليست دولة وهابية أو سلفية لكنها قبل عشرين عاما قررت أن تجند المجاهدين العرب في أفغانستان ليحاربوا الشيوعيين الكفرة نيابة عنها. إذا المشكلة هنا لا علاق لها بالتوجهات الفكرية لكنها مشكلة ناتجة عن عدم توفر ذكاء سياسي على أقل تقدير. بالمناسبة هناك حكومات أخرى عربية تلعب الأن بالبيضة و الحجر و تجند ما تشاء من قوى و تيارات سياسية ووسائل إعلام لتوسع من نفوذها الإقليمي سواء في العراق أو الهند أو باكستان أو لبنان أو السودان و بالتالي تملاء الفراغ الذي تركه الدور المصري المتراجع.
عادة ما يكون لأي دولة دائرة نفوذ تحيط بها, و الدول الكبري عادة ما تهتم بتوسيع دائرة النفوذ الخاصة بها سواء بإستخدام قوتها العسكرية أو الإقتصادية أو حتى قوتها اللينة عن طريق الإعلام و الإنتاج الثقافي المختلف. و دولة مثل مصر التي تدعي أن لها دور حيوي و ريادي في المنطقة من المفروص أن تحاول أن تنمي دائرة النفوذ الخاص بها. لكنا على أرض الواقع نفعل العكس تماما, فحتى ترديد الشعارات الرنانة التي يعشقها الشارع العربي قد تخلينا عنها. ففي حرب لبنان مثلا لم نبذل أي جهد لتبني أي موقف مفيد, فنحن بالطبع لم نقدم أي دعم مادي لحزب الله, لكننا أيضا لم نقدم له دعم معنوى, فحتى دور السنترال تخلينا عنه, بل تمادينا أكثر في مهاجمته و دأب الأعلام على التحدث عن النفوذ الإيراني في المنطقة و الملالي و ما إلى هنالك من إسطوانة مشروخة. يعني بدل من أن نقدم ما يقوي نفوذنا الإقليمي قدمت وسائل الإعلام عندنا ما يزيد الهوة بيننا و بين الشارع العربي بل و يؤكد سحب البساط من تحت أقدامنا. وها هو العدوان الإسرائيلي على غزة قد جاء ليبرهن على أننا لم نحاول التعلم من أخطاء الماضي.
الخلاصة هي أنني أكره تلك الأصوات التي تصف الدور المصري بالعمالة و أفضل وصفه بأنه قد خانه التوفيق و لذلك أحاول أن أفكر بصوت عالي في محاولة لبحث سبل إستعادة الدور المصري المتراجع. و إن كنا مقتنعين بأننا لا نقدر على زيادة نفوذنا الإقليمي بإستخدام قوتنا العسكرية أو الإقتصادية المنهكة فلا يجب أن نحصر قوتنا اللينة في المنافسة بين الأغاني و المسلسلات المصري و مثيلاتها اللبنانية و السورية. و يجب علينا أنا نحاول أن نفكر في أطار أكبر و أن نري و لو سنتيمترات قليلة أبعد من أنوفنا.